الوجوه المتعبة والبيوت المتصدّعة والركام، تخبر كلها أن الكارثة لم تغادر الكثير من البلدات والمدن في سوريا، بل “تزداد الحياة فيها صعوبة كل يوم” كما يقول يعرب الذي يسكن غرفة مسبقة الصنع بجبلة، في ريف اللاذقية، بعد انهيار بيته في الزلزال.
يعرب يصف نفسه بالمحظوظ كونه نجا من موت محتم، لكنه بات دون عمل يعيل به أسرته واحتياجات والديه خاصة الأدوية التي ارتفع ثمنها كثيراً على حد تعبيره.
عام كامل مرّ على الزلزال الذي ضرب سوريا، لكن عائلات كثيرة لا تزال عالقة في ذلك اليوم الكارثي، لم تخطو خطوة واحدة نحو التعافي، فالأزمات الإنسانية والاقتصادية المتلاحقة وتأثير التغيّر المناخي، جرّدها من كل قدراتها على التكيّف أو المواجهة.
“ليس لدي القدرة على الترميم أو استئجار منزل” بهذا يجيب محمد ديوب كل من يسأله عن سبب عدم مغادرة بيته المتصدّع في ريف اللاذقية، ومياه الأمطار المتسربة من السقف المتشقق، تنذر بخطر سقوطه فيما لو اشتد الطقس قليلاً.
محمد واحد من 8 مليون شخص تأثروا بزلزال 6 شباط، ولا يدل الرقم على شدته فقط، بل أيضاً على البنى التحتية الهشّة للمناطق التي ضربها، وضعف المجتمعات التي تستقبل آلاف العائلات النازحة، فكانت دقائق قليلة كفيلة بأن تعيد محاولاتهم للتعافي إلى نقطة الصفر.
“أصبح احتمال عودتنا شبه مستحيل ومن لم يتضرر بالحرب تضرر بالزلزال” يقول أبو محمد (اسم مستعار) الذي نزح إلى الرمل الجنوبي في اللاذقية من جسر الشغور بإدلب، بحثاً عن الأمان، لكنه مع الأزمات المتتالية، فقد مدخراته، وكل ما يملك، ولا يكاد مدخوله اليوم يغطي الطعام والشراب، وسنواته الستون لم تعد تسمح بأي خطوة جديدة سوى الاجتماع مع صديقه النازح من حلب، أمام البحر وتبادل الهموم.
الهلال الأحمر العربي السوري استجاب منذ اللحظات الأولى لوقوع الزلزال الذي أدى لوفاة وإصابة نحو 17 ألف شخص، وتشريد الآلاف، ودمار وتضرر 123,226 مبنى، وحاول متطوعوه بأقصى طاقاتهم تخفيف آثاره عن المنكوبين، من المساعدة في إنقاذ الضحايا، إلى الرعاية الإسعافية والصحية، والعلاج الفيزيائي، وخدمات الإيواء والإغاثة، والدعم النفسي والقانوني، وترميم الخدمات الحيوية، والمساعدة النقدية ودعم سبل العيش، والتي تخطت بمجملها الـ 23.5 مليون خدمة إنسانية.
لكن الاحتياجات كانت كبيرة، فالكارثة حلّت على مجتمع يحتاج فيه 15.3 مليون شخص للمساعدة من أجل تأمين أبسط احتياجاتهم، العدد الذي ارتفع إلى 16.7 مليون شخص في عام 2024، وبلد 90 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر.
“كنت أريد ترميم المنزل بالمبلغ، لكن ابنتي أصيبت بالتهاب رئة تطلب دخولها المشفى والكثير من الأدوية، فصرفت معظمه على علاجها” تقول ديمة
وهي من المتضررين الذين حصلوا على مساعدة نقدية من الهلال الأحمر العربي السوري لترميم تشققات جدران منزلها بحلب، وشراء ألبسة شتوية لصغارها، وبعض احتياجات المنزل.
ديمة المعيلة لثلاثة أطفال أكبرهم بسن الخامسة، أعادت ترتيب أولوياتها بسبب مرض بناتها المتكرر بالتهاب الرئة، وطول مدة شفائهن، ربما بسبب تلوث الهواء بنواتج احتراق الحطب الذي تستخدمه للتدفئة، وأجلّت فكرة ترميم الجدران إلى أجل غير مسمى.
الاحتياجات المعيشية الكبيرة جعلت الاهتمام بالصحة النفسية أمر ثانوي للكثير من المتضررين رغم أهميتها، وتقول إحدى متطوعات الهلال الأحمر العربي السوري العاملة في هذا المجال، أن عدم تحسن أحوال العائلات بعد عام على الزلزال، واضطرار الكثير منهم للسكن عند أقربائهم وطلب المساعدة، زادت شدتهم النفسية، وبات من الصعب عليهم تخطي حالات الصدمة والقلق والاكتئاب وغيرها من الاضطرابات التي زادت بشكل كبير.
وما يخيف السوريون اليوم حقاً فقدان الأمل، مع تدهور الأحوال الاقتصادية، وتضاعف تكاليف المعيشة، ونقص تمويل المساعدات الإنسانية، الذي أصبح أثره واضحاً، الأمر الذي يتركهم في مواجهة مستقبل مجهول، ويجعلهم فريسة سهلة لأي أزمة مهما كانت بسيطة.