تتراجع قدرة العائلات في سوريا على الوصول للخدمات الطبية بشكل كبير، إذ شهدت تكاليفها ارتفاعاً كبيراً زاد الهوة بينها وبين دخل الأسر، ومع تضرر أكثر من 40 بالمئة من المؤسسات الصحية جزئياً أو كلياً، تحوّل طلب الرعاية الصحية إلى رحلة شاقة، تضاعف أعباء الأشد ضعفاً، وتدفعهم أحياناً للاستغناء عنها.
“شعرت بالعجز حينها، فالتكلفة كانت أكبر من استطاعتي بكثير” يقول جميل (48 عاماً) عندما علم أن طفله مصاباً بنقص سمع شديد بالأذنتين ويحتاج إلى سماعتين، لكن عمله بالخياطة لا يغطي كلفتهما الباهظة، فهو بالكاد يوفر مستلزمات أبنائه الأربعة الأساسية، على حد تعبيره.
الأب راجع مجمع الصاخور الطبي التابع للهلال الأحمر العربي السوري في حلب، وبعد تشخيص حالة الطفل حصل على سماعتين تناسبان شدة نقص السمع لديه، وأصبح معهما قادراً على سماع أصوات أخوته وأمه وأبيه.
“لم تسعني الفرحة حين رأيت نظرته الأولى نحوي عند سماعه صوتي” يقول الأب الذي كان سيؤجل علاج ابنه إلى أجل غير مسمى.
وفي ريف اللاذقية تنتظر سلوى (76 عاماً) عيادة الهلال الأحمر المتنقلة التي تزور قريتها القبيسية أسبوعياً، لتراقب مستوى السكر والضغط لديها، وتحصل على أدويتها المزمنة، لكنها اضطرّت لتأجيل عمل جراحي في العين لمدة ستة أشهر، بسبب عدم قدرتها على تأمين كلفته المادية.
“العيادة تخفف عني أعباء المعاينات والأدوية، وأجور المواصلات، ففي قريتنا لا يوجد منشآت صحية وأقرب مستوصف بعيد جداً” تقول سلوى التي تعمل في الزراعة، وتتحمل مسؤولية عائلة كبيرة، وزوج مصاب ببتر في طرفه السفلي.
التقديرات الأممية تشير إلى أن 14.9 مليون شخص في سوريا بحاجة مساعدة من أجل الحصول على خدمات صحية منقذة للحياة، فارتفاع تكاليف الطبابة، زاد الضغط على المرافق التي توفر الخدمات بشكل مجاني أو بأسعار رمزية، وجعل مواردها محدودة أمام الطلب الكبير.
“لا يمكنني الدخول إلى مراكز طبية خاصة فأنا أعمل بأجر يومي لا يكاد يكفي طعامنا وشرابنا” يقول صالح الذي يقطع مسافة 5 كيلومتر للوصول إلى مستوصف الهلال الأحمر في الحسكة، والحصول على خدمات طبية له ولزوجته وأولاده الأربعة.
ومنذ عام 2011، يزور عبد المتين (88 عاماً) مستوصف للهلال الأحمر في حمص، حيث يتابع حالته الصحية فهو يعاني من ارتفاع الضغط والسكري ونقص التروية القلبية، ويحصل على أدويته، فراتبه التقاعدي لا يغطي تكلفة زيارة الأطباء والأدوية.
وتساعد العيادة المتنقلة في مدينة البعث بالقنيطرة، أيوب عبد الرزاق (63 عاماً) للحصول على الدواء له ولزوجته التي تعاني من مرض عصبي، ويقول عن خدماتها “تغطي العيادة أكثر من 50% من تكاليف الدواء ولولا وجودها كنا سنضطر للاستغناء عن حاجات المنزل لشراء العلاج”.
وتزيد المشقة على كبار السن، لصعوبة تنقلهم وعدم توفر دخل لديهم في كثير من الأحيان، ففي قرية العبد بريف دير الزور الشرقي التي لا يتواجد فيها سوى مستوصف لقاحات للأطفال، تنتظر فطوم (80 عاماً) عيادة الهلال الأحمر المتنقلة، لتراقب وضعها الصحي بعد إصابتها بجلطة دماغية ونقص تروية في الدماغ، فيما ساعد الهلال الأحمر حليمة (65 عاماً) التي تعيش وحيدة في السبخة بريف الرقة، في الحصول على عكاز، يعينها الآن على المشي بأمان وتلبية شؤونها.
وتزيد عوامل كثيرة هشاشة القطاع الصحي في سوريا، من بينها انخفاض الدعم الإنساني، وتدهور الشروط الصحية في المناطق المتضررة وتفشي أمراض معدية كالكوليرا، والزلزال الذي أدى إلى دمار مزيد من المنشآت الصحية وفاقم الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وحالات صحية منها سوء التغذية.
سيلا طفلة ولدت في مدينة دوما بريف دمشق، وبعمر 6 أشهر لاحظ والداها أنها تعاني من تأخر بالحركة ونقص شهية وجسم نحيل، وعند مراجعة مستوصف الهلال الأحمر في مدينتهم شخص الأطباء لديها سوء تغذية حاد، وبعد 5 زيارات لعيادة التغذية ومتابعة علاجها بزبدة الفستق والحليب تماثلت للشفاء وتحسنت مؤشرات نموها.
“اضطررنا للنزوح خمس سنوات، وعدنا بعدها لبيت مدمر كلياً، وزوجي يعاني من مشكلة قلبية وبالكاد يلبي احتياجات أطفالنا الأربعة، ولم يكن بمقدورنا تأمين حليب لابنتي ومكملات غذائية لولا المستوصف” تقول والدة سيلا ويبدو الارتياح على ملامحها لاستقرار حالة طفلتها.
وفيما الحصول على أبسط خدمات الرعاية الصحية صعباً وشاقاً، يصبح الأمر أكثر تعقيداً مع الخدمات النوعية، وتقول جدة يامن الذي يعاني من شلل دماغي تشنجي أنها كانت تضطر لتأخير جلسات العلاج الفيزيائي لحفيدها حتى تأمين كلفتها الباهظة ما سبب تأخر تطور قدراته، لكنه يتلقى اليوم تلك الجلسات مع فريق العلاج الفيزيائي الجوال التابع للهلال الأحمر العربي السوري.
يامن (8 سنوات) يعيش مع جدته هو وشقيقته الصغرى بعد وفاة والده، ويستطيع الآن بعد سنتين من المتابعة المشي والوقوف بمفرده، والذهاب إلى المدرسة واللعب مع أصدقائه وودع كرسيه المتحرك.
فيما تلقت ريماس (12 عاماً) كرسياً متحركاً من الهلال الأحمر لتتمكن من الخروج حيث كانت تضطر للبقاء في غرفتها وقتاً طويلاً كونها تعاني شلل رباعي وتلف في خلايا الدماغ بسبب نقص الأكسجة منذ الولادة، والأب الذي يعمل كموظف براتب محدود لا يستطيع تغطية تكاليف احتياجاتها الكثيرة.
ووفر الهلال الأحمر العربي السوري خدمات طبية لأكثر من3.7 مليون شخص في عام 2023، بدعم من شركائه الإنسانيين لتخفيف الأعباء الكبيرة عن الأسر لاسيما الأشد ضعفاً، وضمان حصولهم على الرعاية الصحية المنقذة للحياة.