الأزمة السورية: عشر سنوات والوضع الإنساني أسوأ مما مضى
مؤتمر صحفي: الهلال الأحمر العربي السوري – اللجنة الدولية للصليب الأحمر – الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر
إحاطة رئيس منظمة الهلال الأحمر العربي السوري المهندس خالد حبوباتي
دمشق، سوريا, 4آذار 2021
السيدات والسادة سلاما من دمشق
عقُد سوريا المؤلم؛ 10 سنواتٍ من الزمن قضاها السوريون من عمرهم بين مآسي أزمةٍ وحشية، وفي السنة الأخيرة منه، جاءت جائحة كوفيد-19 والعقوبات الاقتصادية المستمرة، لترشَّ على جروحهم ملحاً وتزيد من تضخُّم احتياجاتهم؛ مما ترك 13.4 مليون منهم بحاجة شكلٍ على الأقل من أشكال المساعدة، و8 ملايين منهم عاجزين في كثيرٍ من الأحيان عن تأمين قوتِ يومهم.
أصبحت العديد من احتياجات السوريين الأساسية رفاهيةً بعيدة المنال، كالكمامة والمعقمات التي من الممكن أن تجنِّبهم خطر تفشِّي فيروس كورونا المستجد، ولم يعد الشتاء هو فصل الخير بالنسبة لهم؛ بل أصبح فصل المرض والموت والمعاناة.
أكثر من 11 مليون سوري، كانوا في يومٍ من الأيام مكتفين ذاتياً؛ لكنهم اليوم يعتمدون على المساعدات الإنسانية، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 236%، مما جعلَ 6 ملايين نازح، إلى جانب العائدين والمقيمين -على حدٍّ سواء- يكافحون لتلبية احتياجاتهم الدنيا من الغذاء والمياه والرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى؛ فارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا إلى 12.4 مليون شخص، أي حوالي 60% من السكان، وبلغ عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية المزمن 500 ألف طفل.
خلال أقل من عامين، جائحة فيروس كورونا المستجد جعلت العالم أجمع مشلولاً أمام ما فرضته من تقييد، عاجزاً عن احتوائها ومُستنزَفاً في سبيل إيجاد طرقٍ للتأقلم معها. في حين أن سوريا تعيش أزمةً خانقةً منذ عقدٍ كامل، تسببت بشلل جميع أوجه الحياة فيها، جاعلةً السوريين غير قادرين على رؤية التهديد الذي تشكله الجائحة على حياتهم، أو عاجزين عن الخوف على حياتهم من المرض بوجود سكاكين الجوع والبرد والفقر موجهةً إلى حناجرهم.
تقييد حركة البضائع، تأخير بعض الأنشطة الميدانية، إغلاق الحدود، النقص الخطير في معدات الحماية للموظفين والمتطوعين؛ هي ليست سوى بعض العوامل التي تؤثر بشكلٍ كبير على الاستجابة الإنسانية؛ إذ يقوم متطوعونا وموظفونا بتقديم المساعدة المنقذة للحياة لأكثر من 5 ملايين شخصٍ شهرياً على امتداد سوريا. ولاستمرار تقديم هذه المساعدة، نحن بحاجةٍ ماسَّةٍ للعمل بما ينص عليه القانون الدولي الإنساني، في أحقيَّة الحصول على الضمانات الكافية، التي تتيح للعاملين في المجال الإنساني الاستجابة ضمن بيئةٍ آمنةٍ لا يكونون مستهدفين فيها؛ ليواصلوا تقديم مساعدةٍ إنسانيةٍ محايدةٍ ومستقلةٍ وغير متحيزة. كما أن الاستجابة لاحتياجات السكان الذين يفتقرون إلى المقومات الأساسية لمعيشتهم هو التزامٌ قانوني بموجب القانون الدولي الإنساني.
ضمن أكبر منظمة إنسانية محلية فاعلة خلال الأزمة السورية، والعضو في الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، يعمل أكثر من 12.000 متطوعاً وموظفاً عبر 96 فرعاً وشعبة، من أبناء هذه البلد، وبالتالي هم ليسوا بمنأى عن الظروف المعيشية القاسية؛ لكن وبالرغم من معاناتهم الخاصة، يواصل متطوعو الهلال الأحمر العربي السوري تلبية واجبهم الإنساني، ولا يوفّرون جهداً ليخففوا من المعاناة الإنسانية على امتداد سوريا كل يوم.
ورغم كل العوائق والتحديات، لا يزال متطوعونا يعملون بأقصى الإمكانيات، وخاصةً في الشمال السوري؛ إلا أن التحديات الأخيرة التي فرضها انتشار فيروس كورونا المستجد والعقوبات الاقتصادية المؤسفة، باتت تشكِّل تهديداً مباشراً على إمكانية المنظمة في تلبية احتياجات الفئات الأشد ضعفاً والأعداد المتزايدة من المتضررين.
ولعلَّ استجابتنا الشاملة لكافة أوجه الاحتياجات الأساسية لقاطني مخيم الهول -الذين يشكِّل النساء والأطفال نسبة 94% منهم- شكَّلت محور اهتمامٍ دولي، لكننا ما زلنا نؤمن أنه بوجود الدعم الكافي نستطيع تخفيف معاناة القاطنين في مخيم الهول أكثر، بالإضافةً إلى غيرها من المخيمات الموجودة على أراضي وطننا، والتي لا تُعد مكاناً صالحاً للاستقرار؛ حيث أن 121 ألف شخص من المقيمين فيها تضرروا هذا العام بفعل العواصف المطرية، التي اقتلعت أو دمرت 217 ألف خيمة، في 304 مواقع. وذلك استجابةً لما قرره القانون الدولي الإنساني، الذي أكد على ضرورة اتخاذ كل الإجراءات الممكنة -في حالات النزوح- ليتسنى استقبال المدنيين المعنيين في ظروف مرضية من حيث المأوى والشروط الصحية والصحة البدنية والأمان والتغذية وعدم تفريق أفراد العائلة الواحدة.
بالرغم من الاعتداءات المتكررة التي أدت إلى خروج فرعنا في إدلب عن الخدمة، وبالرغم من كل المحاولات لمنع وصول الخدمة الإنسانية لمستحقيها، نجدد تأكيدنا على جاهزيتنا القصوى لتأدية واجبنا الإنساني داخل إدلب وخارجها وعلى المعابر الإنسانية، ملتزمين بالمبادئ الأساسية للحركة الدولية لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر؛ شريطة وجود الضمانات الكافية والحماية اللازمة لمتطوعينا، وتحييد العاملين في المجال الإنساني والمنشآت الإنسانية عن أعمال العنف المتصاعد، وذلك ما ينص عليها القانون الدولي الإنساني، وخاصةً مبدأيّ التناسب والتمييز.
كما أننا وبمساعدتكم، يمكننا تغيير المستقبل القاتم الذي قُدِّر لـ 2.4 مليون طفل عيشَهُ بانقطاعهم عن الدراسة؛ تطبيقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، التي نصَّت على الحماية الخاصة للأطفال، بما في ذلك حقهم بالتعليم. وباستطاعتنا الحفاظ على كرامة 50% من السوريين الذي خسروا مصادر رزقهم، بفعل التضخم الاقتصادي أو جائحة كوفيد-19.
لذلك نحن بحاجةٍ ماسةٍ للدعم من جميع الجهات المانحة، للوصول إلى إمداداتٍ عالية الجودة، وخطوطٍ لوجستيةٍ قوية، وأموالٍ متاحة؛ وهو ما تزال منظمتنا تواجه عراقيل شديدة ويومية في تأمينه، بسبب تأثير العقوبات؛ حيث يمثل تحويل الأموال (وتغيُّر سعر الصرف) التي يخصصها المانحون إلى الشركاء الإنسانيين العاملين في سوريا تحدياً كبيراً، فكثيراً ما تتأخر هذه التحويلات لأشهر، فتتوقف عندها المساعدات الإنسانية: تتوقف المشاريع، يتوقف شراء الأدوية أو السلل الغذائية، ويُعلَّق مسير العيادات المتنقلة حتى يتم استلام الأموال. كما أن العقوبات تعيق جهودنا في استيراد المعدات الطبية وقطع الغيار والأدوية رغم أنها -نظرياً- معفاة من العقوبات؛ لكن الشركات والموردين خائفين!
وفي مجال تقديم الإسعافات الأولية والإغاثة، تُعتبر المركبات مثل سيارات الإسعاف والشاحنات ضرورية لنقل المرضى أو توصيل مواد الإغاثة، وتلك المركبات بحاجة إلى الوقود؛ فبسبب العقوبات، تواجه البلاد دائماً وصولاً غير مستقرٍ للوقود، ناهيك عن ارتفاع التكلفة، عدا عن الوقود اللازم لتشغيل المولدات، لتزويد العيادات والمستشفيات أو بنوك الدم والخدمات الحيوية، مثل إمدادات المياه، التي تتعرض جميعها لضغوطٍ بسبب مشكلة تأمين الوقود.
وهذا يترك الهلال الأحمر العربي السوري باعتباره منظمة إنسانية في أزمةٍ حقيقية، ومن المتوقع منه أن يستمر رغم ذلك في تقديم المساعدة الإنسانية اليومية، ودعم الناس أثناء محاولتهم إعادة بناء حياتهم، بعد عقدٍ من الصراع، فالأشخاص المتضررون ينظرون إلى منظمتنا على أنها السبيل للنجاة، فالمساعدة الإنسانية القائمة على المبادئ هي حرفياً منقذةٌ للحياة – هي الفاصل بين الحياة والموت.
الآن، هو التوقيت الأمثل لفصل الإنسانية عن السياسة بحدودٍ واضحة.
الآن، أكثر من أي وقتٍ مضى، تحتاج منظمتنا، التي عانت من أكبر الخسائر بفقدانها 65 متطوعاً وعاملاً قضَوا أثناء أدائهم واجبهم الإنساني إيماناً منهم بأهميّة العمل التطوّعي سيبقون لنا منارة تنير درب الإنسانية والعطاء.
مقدِّرينَ دوماً للعون والدعم اللذان يقدمانهم شركاؤنا في المسؤولية تجاه الفئات الأشد ضعفاً وشركاؤنا في العمل الإنساني؛ اللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر ووكالات الأمم المتحدة.