أغلق أبواب منزله، وحملَ ما يستطيع من حاجات عائلته، وغادر دون أن يلتفت مرةً أخيرةً إلى منزل الطفولة؛ لأن وداع كل تلك الذكريات كانت ثقيلةً عليه، لكن إيصال عائلته إلى بلدةٍ آمنةٍ كان أسمى من كل شيء.
مشاعرٌ متداخلة
ألمٌ وقهر، مشاعرٌ ملأت قلب “أبو تحسين” وعقله في ذلك اليوم؛ إذ تحولت حياته من حياة رجلٍ اعتاد الزراعة والعودة إلى منزلٍ دافئٍ وعائلةٍ جميلة، إلى حياة رجلٍ بلا منزلٍ وبلا عمل، “أثناء مغادرة البلدة، كنتُ أشعر بداخلي شخصٌ لا يهزم. كأنني بطل فيلمٍ يسعى لحماية عائلته وإيصالها إلى بر الأمان؛ لكنه لم يكن فيلماً، بل حقيقة” يقول “أبو تحسين“.
بيئةٌ جديدةٌ وعملٌ مختلف
وصلت العائلة إلى مكانٍ آمن، وباشر ” أبو تحسين” العمل في بيع المياه حتى يستطيع تـأمين متطلبات العائلة، “لم يكن من السهل أن تجد عملاً في بيئةٍ جديدة؛ لذا عملتُ لوحدي في بيع المياه، حتى أستطيع أن أطعم عائلتي” يقول “أبو تحسين“.
لقاءٌ سادَه الحزن
علمَ “أبو تحسين” بعودة الأمان إلى بلدته، وما لبست دقائق، حتى انطلق إلى اللقاء الذي طال انتظاره؛ لكن اللقاء كان حزيناً للغاية. فمنزل الذكريات نصف مدمر، والأراضي في البلدة سوداء، كما قال: “لا شجر ولا حجر“.
بقعة ضوء
بدأت العائلة إعادة ترميم المنزل، واستئجار أرضٍ والعمل على تنظيفها وزراعتها؛ لكن المساحة المزروعة كانت صغيرةً بسبب عدم القدرة على تأمين كمياتٍ كافيةٍ من المياه.
اتسعت المساحة التي زرعها “أبو تحسين” عام 2020، مع تنفيذ الهلال الأحمر العربي السوري في ريف دمشق، بالتعاون مع مديرية الموارد المائية والزراعة، مشروع تأهيل نهر المليحة، الذي حقق إيصال المياه لأكثر من 1000 مزارعاً وري أكثر من 2088 دونم
الانتعاش واستعادة ذكريات الماضي
مع توفُّر المياه الصالحة للري، وحصول “أبو تحسين” على منحة الحدائق المنزلية ومنحة القمح، عادت ذكرياته إلى ما قبل عقد سوريا المؤلم، ليقول: “كأنني عدتُ في الزمن 11 عاماً“.